responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 456
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعَدَاوَةَ مِنْ جَعْلِ اللَّه وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ الْعَدَاوَةَ كُفْرٌ قَالَ الْجُبَّائِيُّ: الْمُرَادُ مِنَ الْجَعْلِ التَّبْيِينُ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُمْ أَعْدَاؤُهُ، جَازَ أَنْ يَقُولَ: جَعَلْنَاهُمْ أَعْدَاءَهُ، كَمَا إِذَا بَيَّنَ الرَّجُلُ أَنَّ فُلَانًا لِصٌّ يُقَالُ جَعَلَهُ لِصًّا كَمَا يُقَالُ فِي الْحَاكِمِ عَدَّلَ فُلَانًا وَفَسَّقَ فُلَانًا وَجَرَّحَهُ، قَالَ الْكَعْبِيُّ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْأَنْبِيَاءَ بِعَدَاوَةِ الْكُفَّارِ وَعَدَاوَتُهُمْ لِلْكُفَّارِ تَقْتَضِي عَدَاوَةَ الْكُفَّارِ لَهُمْ، فَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَقُولَ: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ وَدَعَاهُ إِلَى مَا اسْتَعْقَبَ تِلْكَ الْعَدَاوَةَ، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: يَحْتَمِلُ فِي الْعَدُوِّ أَنَّهُ الْبَعِيدُ لَا الْقَرِيبُ إِذِ الْمُعَادَاةُ الْمُبَاعَدَةُ كَمَا أَنَّ النَّصْرَ الْقُرْبُ وَالْمُظَاهَرَةُ، وَقَدْ بَاعَدَ اللَّه تَعَالَى بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ التَّبْيِينَ لَا يُسَمُّونَهُ الْبَتَّةَ جَعْلًا لِأَنَّ مَنْ بَيَّنَ لِغَيْرِهِ وُجُودَ الصَّانِعِ وَقِدَمَهُ لَا يُقَالُ إِنَّهُ جَعَلَ الصَّانِعَ وَجَعَلَ قِدَمَهُ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِهِ هَلْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي وُقُوعِ الْعَدَاوَةِ فِي قُلُوبِهِمْ أَوْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ؟ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ تَمَّ الْكَلَامُ لِأَنَّ عَدَاوَتَهُمْ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ فَإِذَا أَمَرَ اللَّه الرَّسُولَ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِي تِلْكَ الْعَدَاوَةِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِمَا لَهُ أَثَرٌ فِي وُقُوعِ الْكُفْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَأْثِيرٌ الْبَتَّةَ كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَمْتَنِعُ إِسْنَادُهُ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ أَبِي مُسْلِمٍ.
المسألة الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السلام: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا/ الْقُرْآنَ مَهْجُوراً فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نُوحٍ: 5، 6] وَكَمَا أَنَّ المقصود من هذا إنزال العذاب فكذا هاهنا فَكَيْفَ يَلِيقُ هَذَا بِمَنْ وَصَفَهُ اللَّه بِالرَّحْمَةِ فِي قَوْلُهُ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: 107] ؟ جَوَابُهُ: أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلَمَّا ذَكَرَ هَذَا مَا دَعَا عَلَيْهِمْ بَلِ انْتَظَرَ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ كَانَ ذَلِكَ كَالْأَمْرِ لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَتَرْكِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ فَظَهَرَ الْفَرْقُ.
المسألة الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ جَعَلْنا صيغة العظماء والتعظيم إِذَا ذَكَرَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ مَعْرِضٍ مِنَ التَّعْظِيمِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُعْطِي فَلَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ عَظِيمَةً كَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الْحِجْرِ: 87] وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الْكَوْثَرِ: 1] فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعَطِيَّةُ هِيَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ الضَّرَرِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا؟ وَجَوَابُهُ: أَنَّ خَلْقَ الْعَدَاوَةِ سَبَبٌ لِازْدِيَادِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي هِيَ مُوجِبَةٌ لِمَزِيدِ الثَّوَابِ واللَّه أَعْلَمُ.
المسألة الرَّابِعَةُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ وَاحِدًا وَجَمْعًا كَقَوْلِهِ: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي [الشُّعَرَاءِ: 77] وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ عَدُوَّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو جَهْلٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً فَقَالَ الزَّجَّاجُ الْبَاءُ زَائِدَةٌ يَعْنِي كَفَى رَبُّكَ وَهَادِيًا وَنَصِيرًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ هَادِيًا إِلَى مَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَنَصِيرًا عَلَى الْأَعْدَاءِ، ونظيره يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. [الْأَنْفَالِ: 64]

[سورة الفرقان (25) : الآيات 32 الى 34]
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (32) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34)

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 456
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست